ترامب وفلسطين- تصعيد متوقع وتحديات تواجه المقاومة

المؤلف: د. محسن محمد صالح10.03.2025
ترامب وفلسطين- تصعيد متوقع وتحديات تواجه المقاومة

إن شخصية ترامب النرجسية، المتأصلة في شغفه بالنجاح، والمتميزة بعقلية التاجر الطموح الذي لا يتردد، والناظرة إلى القضية الصهيونية من منظور ديني "مسيحي إنجيلي" جنبًا إلى جنب مع المصالح الإستراتيجية الأمريكية في سياقها الإمبريالي، ستوفر دعمًا جوهريًا لنتنياهو وسياساته؛ بيد أن طبيعتها المتقلبة التي لا يمكن التنبؤ بها، وبراغماتيتها الشديدة، قد تشكل ضغطًا على النظام الحاكم في إسرائيل، خاصة إذا رأت تعارضًا في الأولويات أو صعوبة في تحقيق المكاسب المرجوة.

شخصية ترامب

ترامب، الذي انتُخب الرئيس السابع والأربعون للولايات المتحدة، سيخطو بثقة نحو البيت الأبيض بعدما حقق فوزًا مريحًا في عدد المقاعد الضرورية لانتخابه، وحصد فارقًا ملحوظًا في أصوات الناخبين على مستوى الولايات (ما يقارب الخمسة ملايين صوت)، بالإضافة إلى تحولات إيجابية لصالحه في مجلسي النواب والشيوخ. وهذا سيعزز من قدرته على تنفيذ برنامجه وتحقيق طموحاته، وتجاوز تبعات خسارته في انتخابات عام 2020.

اقرأ أيضا

list of 2 items
list 1 of 2

ترامب يوقع أمرا تنفيذيا لإلغاء وزارة التعليم

list 2 of 2

"مبعوث يسوع".. هل سيُدخل ترامب أميركا عصر الهيمنة المسيحية؟

end of list

إن تحليل شخصية ترامب يكتسب أهمية قصوى في تحديد مسار السياسة الأمريكية خلال السنوات المقبلة، على الرغم من الركائز المؤسسية الراسخة للدولة؛ وذلك لأن هذه الشخصية تمتلك نزعة طبيعية لفرض رؤيتها ومقاصدها، ولا تولي اهتمامًا كبيرًا بالعمل المؤسسي الروتيني.

يعتمد تحليلنا لشخصيته على استخلاصات من سلوكه السياسي وتجربته في الحكم (2016-2020)، وعلى ما نُشر وكُتب عنه، مثل دراسة البروفيسور دان مارك آدمز "حالة دونالد ترامب الغريبة: دراسة نفسية"، وكتاب "الخوف" الذي ألفه بوب وودوارد حول شخصية ترامب، وغيرها من المصادر القيّمة. وفيما يلي أبرز الخصائص التي تميز شخصيته:

1- النرجسية

هناك إجماع واسع على أن ترامب شخص نرجسي، يعشق ذاته "كأروع تحفة في الوجود"، ويؤمن بكماله، وبأنه يمتلك المعرفة والفهم الشاملين، وأنه "المنقذ" المنتظر لأمريكا، وأنه دائمًا المنتصر الذي لا يعرف الهزيمة.

2- لا يمكن التنبؤ بسلوكه unpredictable

تفتقر شخصية ترامب إلى أساس فكري منظم وواضح، يوجه قراراته بشكل موضوعي، وتتميز بالاندفاعية، بل وحتى التهور في العلاقات الخارجية. يبني العديد من توجهاته على قراءات غير مكتملة، تستند إلى معلومات وانطباعات مغلوطة.

هذا ما دفع شخصيات مؤثرة، مثل الملياردير حاييم سابان، إلى دعم كامالا هاريس؛ خوفًا من أن يغير ترامب سلوكه في أي لحظة، ولأنه، حسب رأي سابان، يكنّ كراهية لنتنياهو، قد تتحول إلى انتقام.

3- شخصية التاجر

تتسم شخصية ترامب بالسلوك البراغماتي، الذي يخضع لحسابات الربح والخسارة، والذي يستغل أوراق القوة المتاحة للابتزاز، و"استغلال" الخصوم وحتى الأصدقاء، ولا يتردد في لعب دور "المحتال البارع الجشع" لتحقيق أهدافه. وإدارته لأعمال تجارية ضخمة، وامتلاكه لثروة تقدر بمليارات الدولارات، يعزز من ثقته بنفسه وقناعاته بقدراته.

4- المسيحية الإنجيلية

تلعب الميول الدينية لترامب دورًا مؤثرًا في صياغة توجهاته الداعمة لـ"إسرائيل" ومشاريعها في المنطقة، دون اعتبار لمبادئ حقوق الإنسان، وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وحل الدولتين. هذه الميول مرتبطة بشكل خاص بالنبوءات الموجودة لدى الجماعات المسيحية الإنجيلية، حول تجمع اليهود في فلسطين، ونزول المسيح، ومعركة هرمجدون، والعهد الألفي السعيد.

يعتمد ترامب في جزء كبير من شعبيته على المسيحيين الإنجيليين، الذين يشكلّون قوة كبيرة داخل الحزب الجمهوري.

5- شخصية مسكونة بالإنجاز

يرى ترامب نفسه شخصية تاريخية، قادرة على الحسم واتخاذ القرارات المصيرية، ولا يهتم كثيرًا برضا الآخرين أو غضبهم، طالما أنه مقتنع بصحة ما يفعله. هذا ما دفعه سابقًا إلى اتخاذ قرار بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والاعتراف بالضم الإسرائيلي للجولان، ومحاولة فرض خطة "صفقة القرن".

6- شخصية "تأزيم"

بناءً على الصفات المذكورة سابقًا، فإن شخصية ترامب تميل إلى صناعة الأزمات وإدارتها والتعايش معها، و"المقامرة" وممارسة سياسة "حافة الهاوية"، ومحاولة فرض إرادتها وتوسيع نفوذها على الآخرين. على الرغم من قدرته أحيانًا على تحقيق ما يريد، إلا أنه قد يثير ردود فعل عنيفة تجاهه، مما قد يؤدي إلى إفشاله أو إعاقة أدائه، نظرًا لوجود قوى عديدة ترفض هذا الأسلوب، وتمتلك القدرة والإرادة لمواجهته.

التعامل المتوقع مع الملف الفلسطيني

استنادًا إلى تجربة ترامب السياسية، ومعرفة طبيعته الشخصية، والتوجهات العامة للحزب الجمهوري والقاعدة الشعبية لترامب، يُتوقع أن تتسم ملامح تعامل ترامب مع الملف الفلسطيني بما يلي:

1- الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان

أعرب ترامب مرارًا عن رغبته في أن ينهي نتنياهو حربه على غزة قبل بدء ولايته الرئاسية في 20 يناير/ كانون الثاني 2025. ومع ذلك، إذا وجد أن نتنياهو لا يزال غارقًا في مستنقع الحرب، فإنه قد يسعى إلى تقديم دعم مضاعف، ومظلة حماية أقوى لنتنياهو لإنهاء الحرب بأسرع ما يمكن. وقد يستمر على هذا المنوال لبعض الوقت (ربما لأشهر). ولكن إذا تبين له أنه لا جدوى من الاستمرار في الحرب، وأن المقاومة صامدة وفعالة، فإنه، تجنبًا لمزيد من استنزاف الاقتصاد الأمريكي، والمزيد من الإنهاك العسكري والاقتصادي والبشـري الإسـرائيلي، قد يمارس ضغطًا أكبر على نتنياهو لوقف الحرب.

وهو الأمر نفسه الذي سيفعله في الحرب الإسرائيلية على لبنان. وباعتباره يمثل قمة التطرف الأمريكي الداعم للاحتلال الإسرائيلي، فسيكون في وضع أفضل لممارسة ضغوطه، وسيصعب جدًا أن يزايد عليه أحد في موقفه تجاه "إسرائيل".

2- مزيد من تهويد الأقصى والقدس

سيوفر ترامب غطاءً أوسع لنتنياهو وتحالفه، للمضي قدمًا في برامج تهويد الأقصى والقدس، مما سيزيد من الاحتقان والغضب في الأوساط الشعبية العربية والإسلامية.

3- سيسعى ترامب لاسترضاء نتنياهو وتحالفه

و"تعويضهم"، خاصة في حال وقف الحرب على غزة، من خلال توفير الغطاء لضم مناطق واسعة من الضفة الغربية، وتحديدًا مناطق "ج" التي تشكل 60% من مساحة الضفة، ومضاعفة الضغوط على سكان الضفة الغربية، وخلق بيئة قاهرة لإجبارهم على مغادرة الضفة. وهذا يتفق مع خطط الصهيونية الدينية والمسارات المعلنة وغير المعلنة لحزب الليكود، كما يتوافق مع تطلعات المسيحية الإنجيلية.

وهذا سيلغي فعليًا مسار التسوية السلمية بشكله المتعارف عليه، وسيحاول ترتيب الأوضاع لإنهاء السلطة الفلسطينية في وضعها الراهن، والسعي لإنشاء كانتونات ومعازل للفلسطينيين داخل الضفة الغربية.

وهو ما يعني في الوقت نفسه خلق بيئة متفجرة في الضفة، وحالة صدام مع الأردن، الذي يخشى تدفق ما يقرب من مليوني فلسطيني بسبب هذه الخطط، كما يخشى من خطط التوطين، ومشاريع الوطن البديل في الأردن. وهذا سيضع أيضًا معاهدة التطبيع (وادي عربة) على المحك، كما سيضاعف الضغوط الشعبية الأردنية لإلغاء المعاهدة، ودعم المقاومة.

4- سيدفع ترامب بمزيد من الجهود لمحاولة القضاء على حماس وتيار المقاومة

ونزع أسلحة حماس في قطاع غزة، ومنعها من حكمه بشكل مباشر أو غير مباشر، وفرض المعايير الإسرائيلية الأمريكية عليه، لما يعرف بـ"اليوم التالي للحرب" في القطاع.

5- سيتناغم ترامب مع نتنياهو في سعيه لفرض نظام أمني جديد في المنطقة

(كما أعلن في أكتوبر/ تشرين الأول 2024)، وهو ما يعني مزيدًا من الضغوط على دول المنطقة، خاصة في البيئة الإستراتيجية المحيطة بفلسطين المحتلة، للاستجابة للمعايير الإسرائيلية في التعامل مع شعوبها؛ بما في ذلك محاربة تيارات "الإسلام السياسي" والتيارات الداعمة للمقاومة المسلحة؛ بل ومحاربة مظاهر التدين والالتزام الإسلامي، وخنق ما تبقى من هامش الحريات. وهذه وصفة جاهزة لصدام الحكومات مع شعوبها.

6- سيمارس ترامب مزيدًا من الضغوط على إيران

خاصة في المجال الاقتصادي، ومحاولة عزلها وعزل "محور المقاومة" وإضعافه ومنعه من تقديم الدعم الفعال للمقاومة في فلسطين.

7- سيحاول ترامب الضغط على السعودية للتطبيع مع "إسرائيل"

من خلال عملية مقايضة لتحسين ظروف معيشة الفلسطينيين تحت الاحتلال، وتضخيم بعض المكاسب الشكلية أو فارغة المضمون، أو الوعود التي يمكن للطرف الإسرائيلي تجاوزها وتفسيرها على هواه.

8- سيدعم ترامب توجهات الحكومة الإسرائيلية ضد الأونروا

واعتبارها "كيانًا إرهابيًا"، وسيسعى إلى شطبها وإلغائها على المستوى الدولي.

خلاصة:

ما سبق ذكره يعني أن ترامب، خاصة في المرحلة الأولى من ولايته، قد يتسبب في المزيد من تصعيد الوضع، ليس فقط فيما يتعلق بالملف الفلسطيني، بل أيضًا تجاه المنطقة برمتها.

وقد تؤدي ضغوطه على الأنظمة العربية إلى مزيد من الخضوع للنفوذ الإسرائيلي الغربي، مما سيؤدي إلى مزيد من الإحباط والغضب لدى الشعوب العربية، وقد يسرع في خلق بيئات مماثلة لتلك التي سبقت "الربيع العربي".

أما الخيار الآخر المتاح للأنظمة، فهو رفض الخضوع للإرادة الأمريكية، خاصة فيما تعتبره تهديدًا للأمن القومي أو عناصر تفجير للمجتمع، مثل خطط ضم الضفة والتهجير القسري للفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة، وخطط التوطين والوطن البديل، وبالتالي زيادة سقف الحريات وتبني مسارات أكثر دعمًا للمقاومة وأقل التزامًا بالتطبيع.

علاوةً على ذلك، فإن صمود المقاومة واستمرار أدائها القوي والفعال في غزة والضفة ولبنان واليمن والعراق، وتوسيع الدعم الإيراني لها، سيزيد من الاستنزاف الإسرائيلي والأمريكي. وهذا سيضع ترامب أمام خيارين صعبين: إما الانخراط في حرب إقليمية، والدخول في حالة استنزاف عسكري واقتصادي أمريكي لا يرغب فيه، وإما دفع الطرف الإسرائيلي إلى التراجع، والقبول بحلول أكثر واقعية، والتخلي عن الأهداف التي لا يمكن تحقيقها، والاستجابة لعدد من شروط المقاومة، ولو بشكل مؤقت.

وهذا يعني، وهو الأهم، أن استمرار المقاومة في أداء دورها الفعال، سيلعب دورًا حاسمًا في إفشال رؤية ترامب لإدارة الملف الفلسطيني، كما سيلعب دورًا محوريًا كخط دفاع أول عن المنطقة ومنع إدخالها في "العصر الإسرائيلي".

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة